سحب الجنسيات في الاردن
قضايا ساخنة عديدة تحتل مكاناً بارزاً في اهتمام المواطن الاردني واجهزة اعلامه، والمنتديات السياسية ابتداء من غلاء المعيشة، ومروراً بالاصلاحات السياسية وانتهاء بالوعود المغرية بالانضمام الى مجلس التعاون الخليجي، ولكن القضية الاسخن تتعلق بالجدل الدائر حول سحب الجنسيات والارقام الوطنية من بعض الاردنيين من اصول فلسطينية.
الاردن هو البلد الوحيد في العالم تقريباً الذي يبعد مواطنيه، او يمنع عودتهم الى بلادهم، وهو البلد الوحيد تقريباً الذي يمكن ان يفقد فيه المواطن جنسيته بين ليلة وضحاها، نتيجة لمزاج موظف كبير او صغير، أو بناء على تعليمات سرية.
حكومة البحرين تبنت هذا التقليد المؤسف ضد معارضيها لفترة طويلة من الزمن، ولكنها تراجعت عنها، ووضعت حداً لها، بسبب ضغوط منظمات حقوق الانسان العالمية، ورغبة العاهل البحريني الجديد في اصلاح صورة بلاده التي شوهتها هذه الممارسات على الصعيد العالمي والعربي، ولكن السلطات الاردنية التي تميزت في محيطها العربي باحترام القانون واتباع انظمة وتوجهات ليبرالية واصلت العمل بمثل هذه الاجراءات غير القانونية وغير الانسانية ايضاً.
وزير الداخلية الاردني الجديد السيد مازن الساكت قال انه بصدد اجراء تعديلات دستورية تحظر ابعاد المواطن الاردني، او تمنع عودته الى بلاده، في اعتراف غير مباشر بخطأ اجراءات ابعاد عدد من قادة 'حماس'، مثل خالد مشعل وابراهيم غوشة قبل 11 عاماً، ومنع عودة الاخير من دولة قطر حيث ابعد اليها.
السيد احمد اللوزي الشخصية الاردنية التي تتمتع باحترام كبير داخل الاردن وخارجه يترأس حاليا لجنة تهدف الى صياغة التعديلات الدستورية المعنية لتحصين المواطن من جريمة الابعاد هذه لاي سبب كان، وهي خطوة جيدة وان جاءت متأخرة في بلد فتح قلبه دائما لكل الباحثين عن العدالة والحرية والعيش الكريم.
الفلسطينيون المستهدفون باجراءات سحب الجنسية وارقامهم الوطنية، او الآخرون الذين يواجهون ممارسات تمييزية في دوائر الجوازات او في المطارات والمعابر، يقدرون لهذا البلد منحهم جنسيات سهلت عليهم الحركة والعيش الكريم بالمقارنة مع اشقاء لهم، واجهوا كوابيس مزعجة في دول اخرى منحتهم وثائق سفر قيدت حركتهم وما زالت حتى هذه اللحظة. فكل حامل وثيقة يقابل بالرفض في معظم السفارات العربية والاجنبية التي يتقدم اليها طالبا تأشيرة دخول للدراسة في الجامعة، او بحثا عن علاج، او سعيا لفرصة عمل.
سيف الوطن البديل الذي يشهره البعض في الاردن في وجه الاردنيين من اصل فلسطيني هو شهادة حق اريد بها باطل، لان الوطن البديل للفلسطينيين هو فلسطين كلها من النهر الى البحر، وسيكون الفلسطينيون في داخل الاراضي المحتلة وخارجها هم الاكثر مقاومة للمشاريع الاسرائيلية في هذا الخصوص، ليس بسبب تمسكهم بحقوقهم الثابتة والتاريخية في ارضهم، وانما من منطلق محبتهم للاردن وعرفانا بجميله تجاه كل ما قدمه لهم من تسهيلات واقامة.
الاردنيون من اصل فلسطيني لم يكونوا في اي يوم من الايام عالة على الاردن واهله وسلطاته، بل كانوا، وسيظلون، مواطنين صالحين يساهمون في نهضته الاقتصادية، ويحرصون كل الحرص على امنه واستقراره، اما الذين لا يحرصون على هذا الامن والاستقرار فاولئك الذين يمارسون اعمال التحريض والتمييز ويطالبون بحرمان اشقاء من ابسط حقوقهم في جنسية بلد لم يعرفوا غيره بسبب ضياع بلدهم، ورتبوا اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية على هذا الاساس.
نتمنى ان تتصرف السلطات الاردنية بطريقة حضارية، وتتوقف عن هذه الممارسات التي تسيء لها، وتهدد امنها، وتخلق فتنة بين ابناء شعبها، خاصة في وقت يشهد الشارع العربي حالة من الغليان السياسي والاجتماعي بسبب غياب المساواة والكرامة والعدالة وحكم القانون. فمن العيب ان تثار هذه القضية بين الحين والآخر بما يخلق حالة من القلق وعدم الاستقرار لقطاع عريض من ابناء الاردن، وبما ينعكس سلبا على اقتصاده واستقراره.
No comments:
Post a Comment